تركت القضية الفلسطينية بصمتها بوضوح خلال مؤتمر الفيفا بمدينة بانكوك التايلاندية، بعدما وقف رئيس الاتحادية الفلسطينية لكرة القدم، جبريل الرجوب، على المنصة، وحصل على حق التدخل لتعرية الكيان الصهيوني واستعراض عملية الإبادة التي يتعرض لها الرياضيون الفلسطينيون.
ولأن قانون الفيفا يفرض على كل اتحادية صاحبة العضوية إيداع طلب التدخل تسعون يوما قبل موعد انعقاد المؤتمر، فإن الجانب الفلسطيني لم يكن له حق التدخل لعدم إدراجه للطلب في الآجال، بينما تنص قوانين الفيفا على ضرورة دعم خمسة أعضاء من الجمعية العامة لطلب أي عضو في أخذ الكلمة.
وبناء على دعم الجزائر والأردن واليمن وسوريا والعراق لطلب الاتحادية الفلسطينية لكرة القدم، تمكن جبريل الرجوب من نقل صرخة الفلسطينيين أمام 211 اتحادية لها عضوية الجمعية العامة خلال مؤتمر الفيفا في بانكوك، وحرص الرجوب، وهو يطلب من الفيفا معاقبة اتحادية الكيان الصهيوني بسبب الجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين، على استعراض مأساة الرياضيين الذين يسقطون شهداء كل يوم.
وفي الوقت الذي حضر المبدأ لدى عديد من الاتحادات العربية، وفي مقدمتها الجزائر، من خلال دعم طلب الاتحادية الفلسطينية لكرة القدم بغية التدخل خلال المؤتمر، فإن ممثل الكيان الصهيوني، وهو يأخذ الكلمة أمام انسحاب الطرف الجزائري، ممثلا برئيس الفاف وليد صادي والأمين العام نذير بوزناد، اجتهد أمام الحضور لتبرير ما لا يمكن تبريره، وقد جعل الرجوب يكشف الكيان الصهيوني على حقيقته في مؤتمر الفيفا.
وفي محاولة من رئيس اتحادية الكيان الصهيوني لاستعطاف الحضور، بعد دعم خمسة بلدان عربية منها الجزائر لطلب الجانب الفلسطيني، والقول إن علاقة الكيان الصهيوني، مع بعض الدول العربية، على ما يرام، راح ممثل الكيان الصهيوني يستدل بالمغرب دون سواه من الحضور، بالتأكيد على أن العلاقة بينهما جيدة جدا، مضيفا بأن ما يعزز العلاقة الطيبة، إبرام الطرفين لاتفاقيات تعاون من الجانب الرياضي، مشيرا في السياق بأن ثمة مشاريع برمجة مباريات ودية تجمع منتخبات الكيان الصهيوني والمغرب.
ارتكاز الكيان الصهيوني رياضيا على طيبة العلاقة مع المغرب تحديدا، وهو يواصل حملة الإبادة ضد الفلسطينيين، منهم الرياضيين، أحرج كثيرا الطرف المغربي، الذي ظل ممثله، فوزي لقجع، صامتا أمام الحقيقة التي أبرزت مدى استعداد المغرب للدوس على كل المبادئ والقيم لتحقيق مصالحه، بل هو موقف أظهر أن “المبدأ” مصطلح غائب عن القاموس المغربي، الذي سيشهد التاريخ “بيعه” للقضية العادلة بأبخس الأثمان، بينما ثبت أصحاب المبادئ على الوقوف بجانب الحق والدفاع عن القضايا العادلة، مثلما حصل مرة أخرى مع الجزائر، التي تبقى من أبرز مساندي القضية الفلسطينية بنفس طريقة دعمها للقضية الصحراوية العادلة أمام النزعة الاستعمارية المغربية.
و”الكاف” تعترف بالخطأ
خرجت القضية الجزائرية المرفوعة لمحكمة التحكيم الرياضي بلوزان من طرف “الفاف” منتصرة من مؤتمر “الفيفا” بالعاصمة التايلندية بانكوك، بعدما انتزع الرئيس وليد صادي اعترافا رسميا بارتكاب “الكاف” لخطأ جسيم باعتماد قمصان نادي نهضة بركان المغربي وعليها خريطة مزيفة تغتصب الأراضي الصحراوية.
وقد اغتنم وليد صادي فرصة مؤتمر “الفيفا” لطلب مقابلة شخصية مع رئيس “الكاف”، الدكتور باتريس موتسيبي، الذي وافق على الفور، وجرى اللقاء بمكتب تم تخصيصه لموتسيبي بالفندق الذي أقام فيه رفقة الأعضاء، حيث جرى الحديث بحضور الأمين العام لـ”الكاف”، فيرون اومبا من جهة والأمين العام لـ”الفاف” نذير بوزناد من جهة أخرى.
ولم يدخر رئيس “الفاف” أي جهد لإحراج موتسيبي بالحقيقة الصادمة، بالتأكيد على مسامعه أن الهيئة الكروية القارية يسيطر عليها بلد واحد، دون أن يذكره صادي بالاسم، غير أن موتسيبي، وهو يستمع للحقائق، استوقف صادي ليقول “تقصد المغرب”، ليرد رئيس “الفاف” بالتأكيد.
واستعرض صادي على مسامع موتسيبي وأمينه العام ما وصفه بعدم احترام هيئات “الكاف” لقوانينها، بقوله “لجنة المسابقات اعتمدت قمصان منافية للوائح الكاف، كون قمصان نهضة بركان عليها خريطة تغتصب فيها الأراضي الصحراوية”، مضيفا “لقد نبهنا الكاف في مراسلة رسمية بتاريخ 16 أفريل بذلك، لكنها لم ترد علينا سوى خمس دقائق عن موعد الاجتماع التقني ليلة مباراة إتحاد الجزائر ونهضة بركان في الجزائر، وحمل الرد إصرارا على الخطأ، مضيفا مخاطبا موتسيبي “أنتم تدافعون عن مبادئ وقيم على مستوى الفيفا، لكنكم تسمحون بانتهاك حقوق الأفارقة على مستوى الكاف… أنتم تسمحون بالدوس على إفريقيا، بدليل أن الخريطة المزيفة غابت عن قمصان المنتخب النسوي المغربي لأن الأمر يتعلق بمنافسة الفيفا مثلما غابت تلك الخريطة عن ملف ترشح المغرب لمونديال 2030، لكن الخريطة التي تغتصب الأراضي الصحراوية حضرت من الجانب المغربي عن طريق نادي نهضة بركان في مسابقة كأس الكاف”.
ولم يتوقف صادي عند هذا الحد، بل راح يتحدى “الكاف” بالتأكيد على أن ثمة دوس على القانون مع سبق الإصرار والترصد، بقوله أمام موتسيبي وفيرون “لجنة المسابقات تقول بأنها اعتمدت القمصان … أريد منكم استظهار محضر الاجتماع الذي يثبت ذلك ويؤكد بأن اللجنة وافقت رسميا على اعتماد الخريطة التي تغتصب فيه المغرب الأراضي الصحراوية”.
وأمام حرج الحقائق بالحجة والدليل، التفت موتسيبي إلى أمينه العام طالبا منه إعداد تقرير مفصل عن القضية في أسرع وقت، غير أن ما قاله فيرون، وهو يجتهد للتنصل من المسؤولية، كان مفاجئا وصادما قطع به الشك باليقين على أن فضيحة “الكاف” أكبر مما نتصور، حيث قال “لقد تواصلت شخصيا مع مسؤولي اللجنة بعد احتجاج الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، وقد أبلغوني بأنهم اعتمدوا فعلا قمصان نادي نهضة بركان دون أن ينتبهوا للخريطة لأنها كانت صغيرة”.
رد فيرون الذي ينطبق عليه مقولة “عذر أقبح من ذنب”، لا يقدم إجابات عن أسباب تعنت هيئات “الكاف” رغم الاحتجاج الجزائري الرسمي، حتى أن وليد صادي قال صراحة لموتسيبي “لا يوجد أي مبرر لما حدث … ولعلمكم أن ثمة تذمرا كبيرا من عدد من أعضاء الجمعية العامة للكاف، وكان بالمقدور قبول الحل الجزائري خلال ذهاب نصف نهائي كأس الكاف وحتى الإياب، بلعب المقابلتين دون تلك القمصان وتفادي ما حدث بعدم إجراء مقابلتي ذلك الدور، ثم دراسة القضية من طرف لجان بناء على القوانين”.
وأمام عدم قدرة موتسيبي ولا حتى فيرون على الرد، راح صادي يشدد الخناق عليهما بقوله وهو يخاطب رئيس الكاف “عليكم بتنبيه لجنة انضباط الكاف بعدم إصدار أي إجراء عقابي على إتحاد الجزائر أو الفاف، على خلاف ما طلبته لجنة المسابقات، طالما أن القضيتين أحيلتا على تاس لوزان … وهو ما وافق عليه موتسيبي الذي أضاف بقوله “ما حدث لن يتكرر، وسيتم تعديل قانون الألبسة للكاف فورا بجعله يتوافق مع قانون الفيفا”.
وحرص موتسيبي، في محاولة منه لتلطيف الأجواء على تسليط الضوء على العلاقات القوية بين الجزائر وجنوب إفريقيا ثم الحديث عن المناضل نيلسون مانديلا، معبرا في السياق عن أسفه لتوتر العلاقة بين الجزائر و”الكاف”.
وفي هذا السياق، حرص صادي على القول “إن الجزائر بلد كبير وله تاريخ في الكرة، وعدم وجود جزائريين في مختلف لجان الكاف غير طبيعي”، مشيرا وهو يوجه الكلام لموتسيبي وفيرون “هل ترون الأمر طبيعيا وجود عدد كبير جدا من بلد معين في مختلف اللجان، وتسجيل في كل المسابقات حضور المتطوعين من نفس البلد، دون أن يكون للجزائر الحق في ذلك؟”، مضيفا “أريد الآن موقفا صريحا .. إذا كنا على حق فإنني أصر على تواجد عديد الجزائريين في لجان الكاف، وإذا لم يكن ذلك حق للجزائر فإنني أريد موقفا رسميا من الكاف مع تحديد الأسباب”.